الماتريدي وآراؤه الكلامية


المقدمـــة يحتمل الماتريدي أهمية كبيرة في الإسلام, فهو مؤسس الفرع الثاني لعلم الكلام السي. يقول طاش كبري زادة في هذا المعنى: اعلم أن رئيس أهل السنة والجماعة في علم الكلام رجلان: أحدهما حنفي, والآخر شافعي, أما الحنفي فهو أبو منصور الماتريدي وأما الشافعي فهو أبو الحسن الاشعري. كان الماتريدي عاش في القرن الرابع في بلاد ما وراء النهر وينتسب إِلَى الإمام أبي حنيفة -رَحِمَهُ اللَّهُ- في الفقه لكنه تعلق بعلم الكلام، وناظر المعتزلة وناقشهم وأكثر من مخالفتهم، وكان متأثراً بالمنهج الكلامي في الجملة، فخرج عن كثير مما قرره الإمام -أبو حنيفة رَحِمَهُ اللَّهُ، وأصبح الأحناف ينتسبون إليه في العقيدة وينتسبون إِلَى الإمام أبي حنيفة في الفقه. رد الماتريدي على أقطاب مذهب الاعتزال كثيرة, من أمثال النظام وابن شيب وجعفر بن حرب والكعبي, كذالك ظهر مذهب التجسيم, فظهر محمد بن كرام السجستاني زعيم طائفة الكرامية بعد المائتين من الهجرة, وقد كان للماتريدي ردود على الكرامية, الذي ظهر مذهبهم على يد حمدان الأشعب المعروف بقرمط سنة 264 ه وكذالك ظهر جهم بن صفوان زعيم الجهمية, والذي عاش فترة في سمرقند ونسب إليها, وقد نقد الماتريدي قول الجهمية بالجبر. ولقد كان من معاصري الماتريدي من الصوفية وقريب من موطنه الحسين بن منصور الحلاج ومعرفة الماتريدي لهذه الآراء وردوده عليها وموقفه منها يعنى هذه الآراء كانت منتشرة ومعروفة في بيئته. وحين ذاك أيضا لقد انتشرت آراء غير إسلامية وكان له أتباع في عصرالماتريدي وبيئته, ويعتبر كتابه التوحيد من أقدم المراجع التي فيها ذكروا آرائها بالتفصيل والردود عليها. وقد خلع على الماتريدي أصحابه ألقابا كثيرة فيذكر السكغوي أنه قد سمي إمام الهدى وقدوة أهل السنة و الأهداء, رافع أعلام السنة والجماعة, قالع أضاليل الفتنة و البدعة, والشيخ الإمام أبو منصور الماتريدي إمام المتكلمين و مصحح عقائد المسلمين. هذه الألقاب تدل على علو كمكانته العلمية بين أصحابه وجهاد في نصرة السنة والدفاع عن العقيدة وإحياء الشريعة, ولذا ذكر التيمي أنه فاق الأقران وتعجل به الزمان وشاعت مؤلفاته وسارت مصنفاته, والتفق الموافق والمخالف على علو قدرته وعظمة محله وطيب بشره, فإنه كان من كبار العلماء العلام الذين بعلمهم يقتدي, ولذلك يعرف عند الأئمة إمام الهدى, وكان آية في علم الكلام. فهذا هو سبب إختياري بهذا الموضوع, لكي نتعمق آراء وموقف الماتريدي في علم الكلام. نشأة الماتريدي و منهج اكلامى أ. نشأته اسمه محمد بن محمود أبو منصور الماتريدي و أصله ماتريت أو ماتريدي وهي محل في سمرقند في بلاد ماوراء النهر. اسم الماتريدي ينسب إليها, وأحيانا تضاف النسبة إلى سمرقند, فيقال أبو منصور محمد بن محمد بن محمود الماتريدي السمرقند. ولم تذكر المصادر شيئا عن تاريخ مولد الماتريدي, و إن كان يرجع أنه ولد في عهد المتوكل (232-247 ه), ولذالك لأن تاريخ وفاته إثنين من أساتذة الماتريدي, وهما محمد بن مقاتل الرازي كان سنة 248 ه ونصير بن يحي الباخي كان سنة 268 ه. وعلى هذا يكون الماتريدي مولودا في وقت يسمح بتلقيه العلم على يدي هؤلاء, وكذالك من أقران الماتريدي من مات سنة 268 ه وهو محمد مسلم بن عبدالله بن مغيرة بن عمر والأزدي. واتفقت المرجح علة تاريخ وفاة الماتريد 333 ه, ودفنه في سمرقند فيما عدا كبرى زادة ذكر أنه مات سنة 333 ه, ولكن المشهور وهو ما أجمع على أصحابه الطبقات وهو سنة 333 ه. نشأ الماتريدي في منطقة آسيا الوسطى, وهي التي كانت تسمى في القديم بما “وراء النهر”, وهذا النهر يسمى ‘جيحون‘, ويعرف في كتب الجغرافيها الوصفية باسم “أوكسوس.” وتقع حياته فيما بين النصف الأخير القرن الثالث والنصف الأول من القرن الرابع الهجري, وأول من دخل سمرقند وفتحها ابن عثمان, وعندما ولى خرسان من جهة معاوية سنة 55 ه وعبر النهر ونزل على سمرقند محاصرا لها, وتركها, وف سنة 78 ه قتيبة بن مسلم النهر وغزا بخارا والشام ونزل على سمرقند, وهي غزوته الأولى, ثم غزا النهر عدة غزوات في سبع سنين. ب. منهجه 1. التوسط بين العقل والنقل السمة الأساسية لمنهج الماتريدي هو التوسط بين العقل والنقل. ولقد رأى الماتريدي خطأ الوقوف عند حد النقل أوالمغالات في جانب العقل. ورأى الماتريدي أن الموقف العدل هو التوسط بينهما, وذكر أن دواعي استحسان ذالك الموقف الوسط هو قوله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ. والوسط في ذالك له دعامته في الدين, وهو خير تعبير عن روح الدين الإسلام الذي تدعو تعاليمه إلى الأخذبالوسط في كل الأمور. وكذالك كانت روح الوسط هي التعبير السائد في الفكر الإسلامي في مختلف مجالته. فنرى الماتريدية ولأشاعرة وسط بين السلف والمعتزلة, والشافعي وسط بين مالك و أبو حنيفة, وحاول الفلاسفة الإسلاميون التوسط بين الدين و الفلسفة. وليس موقف الوسط كما يظن أنه مجرد التوفيق بين الآراء و أنه يخل من الإنكار. وذالك لأن موقف الوسط يتطلب معرفة كاملة لأحكام النقل و أحكام العقل, ولابد من معرفة كاملة بالكتاب والسنة, والمحكم والمتشابهة والناسخ والمنسوخ, والأخبار وشروطها. وتلك الأحكام النقل لابد أيضا من معرفة أحكام العقل والنظر والتأويل والاجتهاد وإقامة الأدلة والبراهين, على نحو ما سنعرف عند عرض النظر في فصل المعرفة, فهو موقف يتطلب فهم كجانب النقل وجانب العقل ثم الوصول إلى رأي يحفظ للنقل قداسته وللعقل مكانته. وموقف الوسط موقف نظري اعتباري, وليس موقفا حسابيا دقيقا, ولذا فهو موقف صعب, لابد فيه من الميل إلى جانب دون جانب آخر. ومع ذالك سوف نري كيف كان الماتريدي من أكثر مذاهب توفيقا في تحقيق موقف الوسط أكثر من الأشعري الذي سلك منهج والنقل. 2. استقلال الفكر استقلال الفكر هنا بمعنا عدم التعصب لمذهب أو رأي معين بل يجب البحث عن الحقيقة, وعدم المتابعة لفكر معين حتى وإن اسطدم مع الحقيقة, وموقف الوسط يتيح استقلال الفكر. فليس فيه تعصب أو مغالاة تصد السبيل عن الوصول إلى الحقيقة, وهذا الاستقلال يضمن الفكر حريته وموضوعيته ونزاهته. 3. النظرة الكلية للأشياء امتاز فكرالماتريدي بنظرته الشاملة الكلية وربط الجزئيات بالكليات, ورد المسائل المتفرعة إلى أصولها التي تجمعها, و هذا هو النظر الفلسفي الذي لايقف عند الجزئي, ولايقف في المسائل الفرعية بل يردها إلى الحقيقة التي تجمعها, ويوضح ذلك عنايته بأصول الفقه وعنايته فيه, وهو علم يقوم على ربط المسائل الفرعية الفقهية بأصول أحكام فقهية عامة, واشتغاله بهذا العلم على توعية فكره الفلسفي المنطقي. 4. الربط بين الفكر والعمل ليس المهم عند الماتريدي هو أن تتزاحم أفكارنا وتكثر حصياتها في الذهن, وأن تخلق في سماء التجريد, و أن نؤمن بنزعات طلاقية, وأن تشدق بجدل لفظي عقيم, لكن المهم هو أن نواهم بين أفكارنا وأعمالنا بحيث أن نفوذ أفكارنا وعلومنا تهديه, و أكثر المواقف ترفض الدخول في تفصيلات لاطائل تحتها, و يذكر في صراحة أنه ليس لنا معرفة تلك الحاجة. 5. الاهتمام بالمعنى المضمون كانت نتيجة الربط بين الفكر و العمل عند الماتريدي اهتمامه بالمعنى والمضمون فلا يقف عند حد الشك بل ينفذ إلى عمق الجوهر. ويلتمس المعنى وراء الشكل أو اللفظ. والمهم هو إبراز المعنى والكشف عن مضمون وإدراك مراميه وتحقيقه. ولقد وضح ذالك عند تناوله لبعض التعريفات. فهو مثلا لايخلو كثيرا بتعريفات معينة للجسم, بل المهم هو إدراك معناه ونفي تحقيق ذلك المعنى في حق الله تعالى, وغير ذلك مما سنعرض له. 6. السمة النقدية يمثل النقد جانبا كبيرا عند الماتريدي ولقد قام الجاني النقدي لآراء الخصم عنده على عرض هذه الآراء وتحليلها وردها إلى أصولها والبحث عن علة الخطأ فيها. ولقد سلك في ذلك المنهج الجدلي, ونجد لديه ما يشبه الحوار السقراطي القائم بالتهكم والتوليب. ويتصف لنا أبو المعين النسفي طريقة الماتريدي في جداله مع خصومه, بأنه كالمساهل الملقي زمام كلامه إلى خصومه ليقوده إلى ثقة منه بضعفه وعجزه عن مقاومته في محل النزاع والجدال. بعض آراء الماتريدي الكلامية 1. حكم مرتكب الكبيرة بينما المؤمن عند الماتريدي, لايخرج عن الإسلام بكبيرة يرتكبها من قتل وعقوق. وليس بين الإيمان والكفر منزلة بين المنزلتين, ولا اسما بين الاسمين, لأن الله تعالى قسم البشر إلى قسمين: مؤمن وكافر. قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ. وقطع سبيل الرحمة أما الكافرين فقال: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي. وقال: لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ. وقال: وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ. من هنا نعرف على أن المؤمن لا ييأس من روح الله, وإذا تفرقت فيه ثلاثة شروط: أولها, الندم باالنسبة إلى ما صدر عنه في الماضي. الثاني, تركه الفعل بالنسبة إلى الحال. الثالث, العزم على الترك بالنسبة إلى المستقبل. والتوبة واجبة على العبد لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ. وهي مقبولة قطعا لقوله تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ. وقال أيضا: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ. 2. التوحيد و الصفات الالهية و العدالة الإلهية أ.التوحيد قال أبو منصور الماتريدي: والدلالة أن محدث العالم واحد لا أكثرالسمع والعقل وشهادة العالم بالخلقة. فأما السمع فهو اتفاق القول, على اختلافهم على واحد, إذ من يقول بأكثر يقول به على أن الواحد اسم لابتداء العدد واسم للعظمة والسلطان والرفعة والفضل, كما يقال: فلان واحد الزمن ومنقطع القرين في الرفعة والفضل والجلال, وما جواز ذلك لا يحتمل غير العدد, والأعداد لانهاية لها من حيث العدد, وفي تحقيق ما يعد يخرج عن النهاية العدد, فيجب أن يكون العالم غير متناه؛ إذ لوكان من كل منهم شيء واحد, فيخرج الجملة عن التناهى بخروج المحدثين, وذالك بعيد. ثم من عدد يشار إليه إلا وأمكن من الدعوى أن يزاد عليه وينقص منه, فمن لم يجب القول بشيء – لما لا حقيقة لذلك بحق العدد – لا يشارك فيه غيره؛ لذلك بطل القول به. ثم دلالة العقل أنه لو كان أكثر من واحد ما احتمل وجود العالم إلا بالإصلاح, وفي ذالك فساد الربوبية. ومعنى آخر: أن كل شيء يريد أحد ممن ينسب إليه إثباته يريد الآخر نفيه, وما يريد أحدهما إيجاده يريد الآخر إعدامه, وكذلك في الإبقاء والإفناء, وفي ذلك تناقض وتناف, دل الوجود على مححدث العالم واحد. وأما دلالة الإستدلال بالخلق فهو أنه لو كان أكثر من واحد لتقلب فيهم التدبير نحو أن تحول الأزمنة من الشتاء والصيف, أ تحول خروج الإنزال وينعها أو تقدير السماء/والأرض, أو تسير الشمس والقمر والنجم؛ لذلك لزم القول بالواحد. ب. الصفات الإلهية ذكر الماتريدي أن الله سبحانه وتعالى يتصف ما وصف به نفسه من العلم والحياة, والسمع والبصر والقدرة. وهو موصوف بها لذاته. وأما إثبات الصفات ودليله عنده السمع وهو ماجاء به القرآن وسائر الكتب السماوية وما ذكره الرسل, والقول بنفيها على أساس أنها توجب الشبيه والتعطيل, إذ أن إثبات الاسم لا يعني التشابة بينه وبين المسمى, والله مسمى بما سمي به نفسه موصوف بما وصف به نفسه. ويدل الماتريدي على أن إثبات الصفات و الأسماء لايعني التشابه لاختلاف ما فى الخلق عنه, فوجوده مخلف لوجود الخلق وأزليته مخالفة لحدوث الخلق. ويركز الماتريدي على إثبات مغايرة صفات الله لصفات المخلوقين وليس لصفات الله تعالى كيف ولا يجوز السؤال عن كيفية صفاته لأن السؤال عن الكيفية يحتمل وجهين, أحدهما: طلب المثال له أن يكون مثلا لشيء من الأشياء والله واحد يجل عن الأشياء. والثاني: يحتمل كيف صفته؟ فجوابه مثل الأول أنه ليس لصفته كيف, إذ هو طلب المثال وهو يتعالى عن الشبهة بالذات والصفة. ج. العدالة الإلهية ويرى الماتريدي أن معنى العدل في الله وضع الشيء موضعه, وهذا يعني الإصابة في الأمور وهذا معنى الحكمة, والماتريدي يوجد بين معنى العدل ومعنى الحكمة وهها ليسا واجبان على الله, إذ في الحكمة كما يقول طريقان, أحدهما العدل, والثاني الفضل ,وليس لما يقدر على الله من الأفضل نهاية, فيتكلم في الشيء بأفضل ما يبلغ قوته من الفعل, مع ما ليس عليه الأفضل وغير جائز خروجه مثله عن الحكمة لما ذكرت, وكذالك معنى العدل أنه وضع كل شيء في موضعه, لكن له درجات, يوصف فعل بعضها إحسانا وأفضالا وفعل بعضها عدلا وحكمة, إذ هما اسمان عامان لكل ما للفعل فعله, والأول خاص من حيث كان له كان تركه فسيفعله منعما محسنا. ولذلك يقول أيضا الماتريدي لا يجوز أن يوصف الله بالظلم فوجود الآلام وما يحل بالأطفال من آلام ليس ظلما لهم لكن ليعلم أن الصحة والعافية أفضال من الله تعالى لهم لا لحق عليه إذ له أن يخلق كيف شاء صحيحا وسقيما. ويري الماتريدي أن العدل ليس هو ضد الظلم, لأن لكل منهما بيان خاص. وقد استدل على ذالك بقوله تعالى: قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللّهَ حَرَّمَ هَـذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ, فليس العدل في تلك الآية بمعنى ضد الجور ولكن هي تدل على وجود التسوية بين ربهم وبين الأصنام في العبادة, ولكن ليس معنى هذا أن الماتريدي يرفض تعريف الظلم بأنه وضع الشيء في غير موضعه وهو التعريف المنافي للعدل, ولقد أكد ذلك التعريف للظلم وذكره مع تعريفات أخرى للظلم فقال: “إن كل فعل يستوجب به الفعل عقوبته فهو ظلم وقيل إذ كل فعل لا يؤذن له فهو ظلم, قيل أن الظلم هو وضع الشيء لغير مو ضعه.” ويذكر تعريفا آخر للظلم وهو فعل ماليس له واختياره غير الذي لا هو الذي يزجره العقل والشرع. ومعني آخر في شرحه لقوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْن